عار الفساد المخزي لا يلاحق فقط من هم مدانون به، بل يتجاوز ذلك ليلطخ سمعة المشتبهين في التورط فيه. أن ما تناولته وسائل الإعلام الغربية عن بدء التحقيق مع ”باركليز” في تقديم تسهيلات غير قانونية ولا أخلاقية لأحد صناديق قطر السيادية، ستلقي بظلالها السلبية على ”باركليز” والصندوق السيادي القطري،
إن المأزق الأخلاقي والقانوني الذي أوجدت قطر نفسها فيه، (ممثلة في هذا الصندوق الحكومي)، حين قبلت بشروط وبنود الصفقة، ستمتد آثارها السيئة على جميع الصناديق السيادية العائدة لدول (الموارد الطبيعية).
كما أن هذه الأنباء، أتت على طبق من ذهب لجميع الجماعات المعارضة لنشاطات الصناديق السيادية في الدول الغربية، لتثبت وجهة نظرها التي طالما روجت لها بأن هذه الصناديق مضرة بنزاهة واستقلالية شركاتها واقتصادها.
وما قام به صندوق قطر السيادي حين قبل الشروط غير القانونية واللاأخلاقية يثبت أن هذه الجماعات كانت محقة فيما ذهبت إليه. وإذا كان مصرف باركليز قبل بكسر القوانين المصرفيه المعمول بها في بريطانيا، وعن سبق إصرار ومعرفة بحجم المخالفة أخلاقيا وقانونيا، حتى لا تستولي الحكومة البريطانية على البنك ومن ثم تفتضح (الموبقات المصرفية) التي كان المصرف منغمس في ممارستها، فما الدافع لأن يقوم الصندوق السيادي القطري بالقبول بهذه الصفقة المخزية فعلا؟
فإذا افترضنا أن الصندوق القطري لم يكن يعلم بأن ما قام به مخالف للقوانين المصرفية البريطانية، فنحن أمام مصيبة حقيقية، فكيف لصندوق سيادي يستثمر في معظم دول الغرب وتقدر أصوله بمليارات الدولارات، ولا يملك الأدوات القانونية للتحقق من قانونية ما يقوم به.
وحتى إذا افترضنا أن الهدف من هذا الاستثمار المشين تحقيق أرباح سريعة وسهلة على حساب قوانين الدولة المستثمر فيها، فنحن أمام مصيبة أخرى لا تقل فداحة وخطورة عن الاحتمال الأول. فكيف لصندوق يدعي العمل على الاستثمار الاستراتيجي للفوائض المالية لمستقبل الأجيال المقبلة، أن ينغمس في استثمارات مضاربية ذات أمد قصير، وفوق هذا يتم تمويل هذه الاستثمارات بطريقة مشبوهة ومخالفة لقوانين الدولة المستثمر فيها؟
لا نستبعد أن يتم طرد ومنع الصندوق السيادي القطري من الاستثمار في بريطانيا لهذا السبب، وإذا لم يحدث ذلك، فلا أستبعد أن يغرم بمبلغ كبير يفوق أرباح هذه الصفقة الرعناء، ليكون عبرة لكل الصناديق السيادية في العالم، حتى لا تستسهل وترتكب المخالفات في حق الدول وقوانينها.
كما أتوقع أن تفرض رقابة شديدة على تحركات هذا الصندوق وغيره كذلك. وعلى الرغم من إعلان ”باركليز” استقالة مسؤول القانون الأول في المصرف، إلا أن الصندوق السيادي القطري لم يعلن عن أي إجراء أو حتى توضيح، إلى لحظة كتابة هذا المقال،
وهذا خطأ فادح آخر، فالمسألة ليست بتلك التي يتم تجاهلها أو تأخير توضيح ملابساتها. فالمفترض من القائمين على هذا الصندوق المسارعة لتوضيح موقف الصندوق السيادي القانوني، وإن لزم الأمر الاعتذار وإظهار الأسف بأشد وأوضح لهجة ممكنة.
إنه لمن المؤسف جدا أن يتم ربط اسم صندوق سيادي خليجي – عربي بمصرف مارس التزوير والتلاعب، وضرب بعرض الحائط جميع القوانين والأعراف المصرفية والأخلاقية والقانونية، وباعتراف من أعلى التنفيذيين القائمين عليه.
ولقد حاولنا أن نفكر في فائدة استراتيجية واحدة تتأتي من هذا الاستثمار، ولكني لم نخرج بأي نتيجة، (وربما كان ذلك لمحدودية أفقنا مقارنة بأفق الفلتات القائمين على هذا الصندوق السيادي القطري).
إن المنزلق الأخلاقي الفادح الذي وقع فيه أحد صناديق قطر السيادية، يجب أن يكون درسا لجميع الدول ذات الصناديق السيادية، التي تعمل على توظيف فوائضها المالية لتحقيق قيمة إضافية استراتيجية لشعوبها واقتصادها ودولها. كما أن على الدول المالكة لمثل هذه الصناديق التأكد من أن القائمين على هذه الصناديق يحملون من الأخلاق والقيم والنزاهة، ما يمكنهم من حمل هذه المسؤولية الثقيلة. فنتائج قرارات هؤلاء المسؤولين لا تتوقف على العوائد المالية لهذه الصناديق فقط، بل تمتد إلى سمعة الدولة وسمعة الصناديق السيادية في العالم كله. فحتى لو لم يثبت سوء النية في مثل هذه الحالات، فسيثبت التقصير والإهمال والتقاعس في إدارة ثروة الأجيال والدولة.
اترك تعليقاً