الشخص المعني هو مايكل دي نوسترادام، أو المعروف بالعامية نوستراداموس، وهو طبيب فرنسي ومنجّم من القرن السادس عشر، وكتب أكثر من ألف توقع حول مستقبل العالم لمئات السنوات في المستقبل.
سمّى تلك التوقعات بـ”النبوءات” وكتبها على شكل قصائد كل منها مؤلف من أربعة أبيات. ونشرت في عشرة أجزاء، أشير إلى كل منها على أنه “قرن”.
ويُعتقد بأن نوستراداموس تنبأ بعدة أحداث عالمية مثل: الثورة الفرنسية، الحرب العالمية الثانية، هجمات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك.
لا بد أن الرجل استطاع السفر عبر الزمن، وتمكنّ من رؤية المستقبل فوصفه في كُتبه المليئة بالنبوءات، والتي تشعل الجدل في بداية كل عام، فقد بات الرجوع لكتب نوستراداموس طقسًا ثابتًا في رأس العام الميلادي الجديد، ليرى مصدّقوه ما الذي يخبرهم به عن عامهم الجديد.
فمثلًا مع بداية عام 2019 حبس معجبوه أنفاسهم لأن الرجل تنبأ أن 2019 سوف تكون بداية نهاية العالم، فقد تنبأ أن ذلك العام سوف يشهد مقدمات لحرب كبرى تستمر ثلاثين عامًا، وبعد تلك الحرب الكاسحة سيظل العالم يعاني من آثارها حتى يتلاشى العالم تمامًا في عام 3797 تحديدًا، العام الذي حدده نوستراداموس لنهاية العالم.
السيناريو الذي وضعه الرجل لتلك الحرب أنه سيظهر شخص يدّعي أنه المسيح، لكنّه كاذب، فتقوم حرب بين أتباعه في الشرق وأعدائه في الغرب، حرب ضروس سوف يوقفها سقوط جسم سماوي غريب يفتك بعدد هائل من سكان الأرض، فتضطر البشرية لإيقاف الحرب وإعلان انتصار الشرق. بعد انتهاء تلك الحرب سيبدأ القادة في التوافق شيئًا فشيئًا من أجل إعمار الأرض، فتُصبح الأرض صالحة للحياة لكن لمدة محدودة حتى عام 3797.
كل ما يعرفه المؤرخون عن نوسترادموس أنه وُلد في فرنسا عام 1504، وأنه استطاع في طفولته المبكرة أن يُجيد اللاتينية والعبرية واليونانية، وأن يُتقن الرياضيات. كل ذلك كان تحت إشراف ورعاية جده يهودي الأصل، الذي فضل نوستراداموس على أخوته الأربعة، وكان جدّه نافذته الأولى على الإيمان بعلم التنجيم، وبقدرة الأجرام السماوية وحركتها وتراصها بطريقة معينة على تحديد مصاير البشر، وكشف المستقبل.
كلّل نوستراداموس كل تلك العلوم بدارسة الطب البشري بشكل نظاميّ في الجامعات الأوروبية، لكنّه كان دائمًا ما يثير الجدل كلما يعلن عن رأيه في التنجيم، وعن إمكانية علاج البشر بالأعشاب دون الحاجة لتعقيدات الطب الحديث.
رويدًا بدأ نوستراداموس يشعر بالملل من الطب والعقاقير، خاصةً بعد أن ماتت زوجته الأولى ثم الثانية والثالثة بالطاعون، فامتنع الزواج واكتشف عجزه عن مداوة أقرب الناس إليه. ووجد إثارته في عالم ما وراء الطبيعة، عالم استشراف المستقبل عبر تأمل وعاء ملئ بالماء والأعشاب. عام 1550، 5 سنوات فقط قبل كتابة كتابه الأشهر، كتب الرجل أول كتاب، أو تقويم، يحوي توقعاته لأحداث عام 1551، كانت غالبها أحداث عن الطقس وأحوال التجارة، فلاقى تقويمه صيتًا كبيرًا بين المزارعين والتجار.
الإعجاب الذي قُوبل به شجعه على كتابة تقويم جديد، ثم آخر، ثم أخيرًا كتاب النبوءات. في كتابه الشهير جعل نبوءاته على هيئة أبيات من الشعر تحمل العديد من الألغاز، تلك الطريقة قللت من مصداقية أعماله إذ قال العديدون إن ألغاز نوستراداموس يمكن أن تكون إسقاطًا على أي شيء يحدث في المستقبل، خاصةً مع ذكائه وإلمامه بثقافات مختلفة فيمكن أن يكتب كلامًا عامًا يتوافق مع أي شيء في أي زمان حسب عقل القارئ.
وهذه بعض نبوءات نوستراداموس التي تحققت، وبعضها مرتبط بأحداث حقيقية، وبعضها يعود إلى الماضي، بينما بعضها الآخر أقرب إلى زماننا.
وفاة هنري الثاني
قال نوستراداموس شعرا: إن شبلا سيتغلب على أسد، في ساحة القتال، وفي معركة واحدة، سيقلع عينيه من خلال قفص ذهبي، جرحان يشكلان جرحا ثم يموت ميتة قاسية.
ومات الملك هنري الثاني عام 1559 بعد أن قتله غابرييل دي مونتغمري خلال مبارزة ودية بالرماح. وكان مرسوم على ترس كل منهما أسد، وطارت شظية من رمح مونتغمري فدخلت عينه، واخترقت الأخرى خده وبقي عشرة أيام حتى مات.
أما أعظم الشهادات التي حصل عليها نوستراداموس فكانت عام 1585 من البابا سيكتستوس الخامس، إذ إن نوستراداموس قابله في إيطاليا حين كان فيليس بريتي شابًا، فركع أمامه نوستراداموس من فوره وخاطبه كأنه البابا القادم، ولاحقًا تحققت نبوءة نوسترادموس.
هتلر وحريق لندن الكبير
لكن بعض النبوءات كانت شديدة التحديد بصورة تمثل تحديًا لمن يشكك فيه وتمنح المصداقية للنبوءات المُلغزة، أبرز نبوءاته الصادمة ما نصّها:
من أعماق غرب أوروبا يولد طفل صغير من الفقراء، بلسانه يغري حشدًا كبيرًا، تزيد شهرته نحو عالم الشرق، والوحوش الشريرة مع الجوع ستعبر الأنهار، الجزء الأكبر من ساحة المعركة سيكون في مقابل هيستر، في قفص الحديد سوف يرسم الشخص العظيم، عندما لا يلاحظ طفل ألمانيا شيئًا.
تلك الكلمات المكتوبة عام 1555 بتفسيرها نكتشف أنها تنطبق على أدولف هتلر، ابن إحدى أسر أوروبا الغربية الفقيرة. كما أن هتلر اشتهر في العالم بخطاباته الحماسية والحشود الهائلة التي حركّها هتلر لغزو أوروبا. أما كلمة هيستر التي ذكرها نوستراداموس، والتي اعتقد لفترة طويلة أنها غلطة مطبعيّة في الكتاب، لكن اتضح أنها تسمية قديمة لنهر الدانوب النمساوي، حيث وُلد هتلر في منطقة مجاورة له.
كما أن له نبوءة أخرى شديدة التحديد قال فيها:
سوف تذرف الدماء في لندن، ستحترق في النار عند 66، وتسقط السيدة الكبيرة من مكانها العالي، وكثير أبناء الطائفة سيقتلون. تفسير تلك النبوءة تحقق عام 1666 حيث اشتعلت النيران في مخبز قديم في لندن، لكن تشّعب الحريق فطال غالبية لندن، واحترقت لندن ثلاثة أيام متتابعة.
أول من تنبأ بـالبسترة
حيث تنبأ قائلًا: يتم اكتشاف الشيء المفقود مخبأ لقرون عديدة، سيُحتفل بباستور باعتباره شخصية شبيهة بالإله. هذا عندما يكمل القمر دورته العظيمة، ولكن بشائعات أخرى سيُهان.
وقد كان بولادة لويس باستر عام 1822 الذي اكتشف لاحقًا أن هناك كائنات دقيقة هى التي تسبب التخمر، واقنع أوروبا باجراء عملية البسترة لقتل الكائنات الدقيقة، لكن لاحقًا عام 1995 أهين باستر على لسان أحد مؤرخي العلوم.
القنبلة الذرية
كتب نوستراداموس: بالقرب من البوابات وداخل مدينتين ستكون هناك كوارث لم يُرَ مثلها من قبل، مجاعة وطاعون، ويُقتل الناس بالحديد ويجأرون لله كي ينقذهم. وقامت أمريكا في أغسطس 1945، بإلقاء القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان.
ومن أشهر النبوءات التي يقول مفسرو نوسترآداموس وشارحوه إنه تنبأ بها وتحققت بالفعل هي بعض النبوءات عن اختراع السيارة والطيارة (أو الطيور الحديدية)، و القنبلة الذرية والكهرباء والاستنساخ وظهور نابليون وهتلر (أو هسلر كما تقول النبوءة) وقيام وسقوط الاتحاد السوفيتي ورمز له باسم إمبراطورية الدب)، وانهيار الإمبراطورية الرومانية النمساوية الهابسبورج.
أما أشهر نبوءاته التي ينتظرون تحققها في القرن الحادي والعشرين فهي أن تصبح العوامة (الوسادة الهوائية) هي المركبة الأساسية ووسيلة النقل الأولى للبشر، وتغير لون جلد الإنسان، واستعادة المسلمين لقوتهم وغزوهم لأوروبا وتأسيسهم لما يعرف بالولايات المتحدة الإسلامية.
كان من الممكن أن تظل هذه التنبؤات مجرد ادعاء بمعرفة الغيب من منجم يكذب حتى لو صدق، لولا أن حالة من الإيمان بنوسترآداموس قد انتشرت، خاصة في الغرب، وأخذت تزداد وتنتشر كلما حلت بالعالم كارثة فوق قدرة الناس على الفهم والاحتمال، وكلما استطاع مفسرو الرجل وشراحه إثبات صحة ما سبق أن تنبأ به.
ولم تكن حالة الإيمان هذه قاصرة على المهووسين بالنبوءات أو شرائح بعينها مثل صناع السينما وكتاب روايات الخيال والمستقبليات، بل امتدت إلى النخب السياسية أيضا، كما هو الحال في الولايات المتحدة ، وتحديدا لدى قيادات الحزب الجمهوري من التوراتيين، من لدن دونالد ريجان وحتى جورج بوش الابن ، حتى إن البعض يشير إلى أن سباق التسلح النووي الذي خاضته أمريكا، ومشروعا كدرع الصواريخ، كان مرده مخاوف سببها نبوءات توراتية أو لمنجمين مثل نوسترآداموس.
وعقب هجمات 11 سبتمبر عاد نوسترآداموس إلى صدارة المشهد، وتضاعفت مبيعات كتب نبوءاته في كل أنحاء العالم بصورة غير مسبوقة حين اعتبر الكثيرون أنه قد سبق وتنبأ بهذا الانفجار بتفصيلاته الدقيقة؛ حيث أعادوا قراءة بعض أبيات من تنبؤاته تذكر ما نصه: في سنة القرن الجديد وتسعة أشهر يأتي من السماء ملك الرعب، وتحترق السماء.. الحريق يقترب من المدينة الكبرى الجديدة. في مدينة (يورك) يحصل انهيار كبير.. شقيقان توأمان تفصل بينهما الفوضى في حين يسقط الحصن، الزعيم الكبير يقضي والحرب الكبرى الثالثة تبدأ حين تلتهم النيران المدينة الكبرى.
أما آخر نبوءات نوسترادموس فكانت ليلة موته، إذ أخبر مساعده أنه لن يجده في الصباح حيًا، وبالفعل مات نوستراداموس متأثرًا بمعاناته الطويلة مع داء النقرس والتهابات المفاصل وقصور عضلة قلبه، لكن نوستراداموس لم يجد في مسيرته دواءً يعالجه من أمراضه.