من الجزائر: هل تسعى إثيوبيا إلى تحييد الاتحاد الإفريقي في أزمة سد النهضة؟

تلح الحكومة الإثيوبية خلال السنوات القليلة الفائتة على دفع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الجزائر. سواء عبر توقيع مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الثنائية معها، أو من خلال تفعيل اتفاقيات مجمدة بين الطرفين، كانت قد وقعت في فترات سابقة.

بعيدًا عن التفسيرات البريئة لتلك المساعي من أديس أبابا، فإن التوازي الزمني للتحرك الإثيوبي نحو الجزائر مع اشتعال أزمة سد النهضة بين إثيوبيا من جهة والسودان ومصر من جهة أخرى، مع إصرار المفاوض الإثيوبي على إبقاء الوساطة في الأزمة داخل أروقة الاتحاد الإفريقي، تفرض قراءة ذلك التحرك من زاوية الرغبة الإثيوبية في كسب الموقف الجزائري داخل الاتحاد لصالحها، أو على الأقل تحييده. وهي قراءة تدعمها تلك المكانة العالية التي تتمتع بها الجزائر في المنظمة القارية الأبرز.

لقد أشار الباحث بنجامين نيكلز في مقالة مكثفة بعنوان «دور الجزائر في الأمن الإفريقي» إلى الحضور الجزائري الطاغي داخل الاتحاد الإفريقي، إضافة إلى هيئاته الفرعية. فهي تحتكر مثلا منذ العام 2002 وحتى اليوم، منصب مفوض دائرة السلم والأمن في إفريقيا، وهي الهيئة التي يصفها نيكلز بالأكثر حيوية داخل الاتحاد بسبب اختصاصها بشؤون مكافحة الإرهاب في القارة السمراء. كما ترأس الزعيم الجزائري السابق أحمد بن بلة حتى وفاته عام 2012، رئاسة لجنة حكماء أفريقيا التي تضم زعماء المناطق الإفريقية الخمس في القارة، وتعتني بالوساطة في الأزمات داخلها. وأخيرًا، تهتم الدولة الجزائرية دائمًا بإنفاذ بيروقراطيين من قبلها للتعيين في مناصب أساسية في الأمم المتحدة، مثل مكتب الأمم المتحدة لدى الاتحاد الأفريقي، ومكتب الأمم المتحدة لغرب أفريقيا.

هذه المكانة الإفريقية الكبيرة للجزائر، مهما قيل حول دوافعها الحقيقية، واقتصارها على مصالح محدودة تخص الجزائر نفسها، تغري إثيوبيا ولاشك لأن تلجأ إليها – ولو جزئيًا – في أزمة سد النهضة. خاصة إذا ما انتهى الأمر إلى تخلي مصر والسودان عن شرط الوسيط الأممي أو الدولي في مفاوضات السد، وقبول وساطة الاتحاد الإفريقي. وهذا ما يفسر تلك التحركات الإثيوبية الحثيثة جهة الحكومة الجزائرية، وتوقيع اتفاقيات معها في مجال تنمية الموارد المائية مثلًا (2017)، أو إحياء اتفاقية قديمة للتعاون التجاري بين البلدين، والتشديد على الدور الإيجابي المتوقع أن تلعبه منطقة التجارة الحرة الأفريقية في تحقيق ذلك التعاون.

من جهة الجزائر، وفي براغماتية تتجاوز الحدود الضيقة للتضامن العربي، تبدو العروض الإثيوبية لفتح الباب أمام الاستثمارات الجزائرية، خاصة في قطاعات واعدة مثل الاتصالات وصناعات الأدوية والمواد الغذائية، عروضًا ممتازة وتستحق الاهتمام، خاصة أنها تفتح سوقًا ضخمة أمام الصناعات الجزائرية التحويلية، وتمنح الجزائر تبادلًا تجاريًا مع إثيوبيا تمتلك فيه هي نصيب الأسد من العوائد، بما أن الصادرات الإثيوبية تقتصر فحسب على المواد الخام، وعلى رأسها البن.

إن إثيوبيا ببحثها الراهن عن علاقات اقتصادية وثيقة مع الجزائر، إنما تبحث في الحقيقة عن دعم سياسي من الأخيرة لموقفها في أزمة سد النهضة، فإن لم يكن دعمًا مباشرًا وصريحًا، فإن تحييد الدور الجزائري في الاتحاد الإفريقي تجاه الأزمة يبدو مرضيًا كفاية لأديس أبابا، والتي تعلم تمامًا أن الترتيبة الجيوسياسية في القارة الإفريقية، وفي الشرق الأوسط ومنطقة القرن الإفريقي على وجه الخصوص قد تغيرت، وأن الجزائر التي هددت إثيوبيا أثناء فورة القومية العربية في حقبة الستينيات بقطع العلاقات، ودعم جبهة التحرير الإرترية، إن لم توقف صلاتها بإسرائيل، لم تعد هي نفسها.


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *