لم يتوقف الجدل حول مناهج الصف الرابع الابتدائى التى أقرتها وزارة التربية والتعليم للمرة الأولى هذا العام بعد أسبوعين من بدء العام الدراسي، ولا تزال تحظى بالقدر الأكبر من الجدل والنقاشات بين المعلمين وأولياء الأمور والتلاميذ نظراً للفلسفة الجديدة التى تقوم عليها، إذ تعتمد بالأساس على مخاطبة مهارات التفكير ومسايرة الواقع العلمى والعملى لكنها تصطدم بجملة من المشكلات على رأسها زيادة جرعة المعلومات وعدم قدرة المعلمين على توصيلها للطلاب فى ظل زيادات كثافات الفصول.
تواصلت آخرساعة مع معلمى المواد الأساسية (اللغة العربية والرياضيات والعلوم والدراسات الاجتماعية واللغة الإنجليزية)، لتعرف تقييمهم للمناهج الجديدة باعتبارهم الأكثر قدرة على توصيف مدى صعوبة أو سهولة المناهج بعد أن شهدت الأيام الماضية شكاوى عديدة من التلاميذ وأولياء الأمور بسبب عدم قدرتهم على تحصيل ما جاء فيها.
وأثارت مناهج الصف الرابع الابتدائى وعدد المواد التى خصصتها وزارة التربية والتعليم لتدريسها هذا العام تزامناً مع وصول قطار التعليم لهذه المرحلة، جدلاً واسعاً بعد أن حددت الوزارة 13 مادة بينها خمس مواد أساسية للدراسة هي: االلغة العربية، والعلوم، والدراسات الاجتماعية، والرياضيات، واللغة الإنجليزية، ومادة القيم واحترام الآخر، والتربية الدينية (الإسلامية، أو المسيحية)، ومادة المهارات المهنية، ومادة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتربية البدنية والصحية، والتربية الفنية، والتربية الموسيقية، وأنشطة التوكاتسوب، فضلاً عن اللغة الإنجليزية (Connect Plus) للمدارس الرسمية والخاصة التى تدرس باللغة الإنجليزية.
وقال أحمد إسماعيل سليم، مُعلِّم لغة عربية بقناة امدرستناب، إن مناهج هذا العام تختلف جذرياً عنها فى السنوات الماضية التى كانت تركز بالأساس على الحفظ بما فيها موضوعات النصوص والقراءة، بالتالى كان لدينا تلاميذ لديهم قدرات هائلة على حفظ الدروس من دون أن يكون لديهم قدرة على استنتاج القيمة المعرفية وراء الدرس، وهو ما جعل التلاميذ يلجأون إلى حفظ مواطن الجمال، وما حدث هذا العام يعد تطويراً لقدرة التلاميذ على التفكير.
وأضاف أن المناهج القديمة سلَّطت الضوء على وقائع قديمة أيضاً ولم تواكب التطورات التى حدثت فى مجالات اجتماعية وفكرية مختلفة، وهو ما كان دافعاً للتلاميذ نحو حفظ معلومات لم يتعايشوا معها ولم يكن لديهم القدرة على تطبيق ما تعلموه، بعكس المنهج الجديد الذى يُرغم المعلمين على قياس قدرات التلاميذ التفكيرية والاستنتاجية ودائما ما تكون نهايات الدروس مفتوحة.
وأوضح أن المشكلة الأساسية التى تجابه المعلمين والتلاميذ أن الدفعة الحالية لم يجر تأسيسها جيداً خلال السنوات الفائتة، تحديداً خلال العامين الماضيين بسبب الظروف التى فرضها انتشار فيروس كورونا، ما جعلنا أمام تلاميذ كُثر لا يجيدون القراءة والكتابة من الأساس، فى حين أن المنهج يحتوى على معلومات قوية وهو ما يجعل القدرة على تحصيل المعلومات محدودة أيضاً.
لكنه فى الوقت ذاته شدّد على أن دروس القراءة والنصوص تركز على معلومات يتعرض لها التلاميذ بشكل مستمر فى حياتهم الواقعية، فمثلاً هناك درس يسرد قصة الدكتور مجدى يعقوب ويتضمن معلومات عن جراحة القلب ولماذا اختار مهنة الطب وهو ما يأتى بنتائج إيجابية على مستوى جذب التلاميذ بعكس الاعتماد على شخصيات خيالية لا تُفيدهم معلوماتياً.
وبالنسبة إلى دروس النحو، أشار إسماعيل إلى أنها تحتوى هذا العام على قواعد جديدة لم يدرسها التلاميذ، بل إنها تحتوى على بعض قواعد الصف الخامس الابتدائي، وهو أمر مفيد للتلاميذ الذين ظلوا طيلة السنوات الماضية يدرسون قواعد بعينها من دون تغيير، فيما تشكل الكتابة والتعبير أصعب أفرع اللغة العربية فى المنهج الجديد والتى تضمنت كيفية كتابة السيرة الذاتية والسيرة غير الذاتية أو التعبير الوصفى وتقديم المقترحات والحلول لمشكلة معينة بدلاً من اللافتة والبرقية اللتين لم يعد لهما استخدامات حالياً.
وذهب إسماعيل للتأكيد على أن التلميذ المتميز سيكون أكثر استفادة من المناهج الجديدة بعكس الطالب المتوسط أو الضعيف، بالتالى فإنه كان يجب على وزارة التربية والتعليم أن تضع خطة علاجية للتلاميذ أولاً قبل بدء العام الدراسى خصوصاً أنهم لم يتعرضوا لأى اختبارات طيلة السنوات الماضية، والوضع بحاجة لتحسين مستويات القراءة والكتابة أولاً.
وأكدت الدكتورة ميرفت عويس، مُعلمة الدراسات الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم، أن المنهج الجديد يركز على كيفية توظيف الأنشطة المختلفة لتنمية مهارات التفكير، إضافة إلى كونه يحتوى على معلومات أكثر عمقاً ويشتمل على مصطلحات ومفاهيم صعبة بالنسبة إلى مستويات طلاب الصف الرابع الابتدائى مثل االمصادر الأولية والثانويةب، إلى جانب أن المنهج ذاته طويل مقارنة بالوقت المخصص لتدريسه خلال الفصل الدراسى الأول.
وأضافت أن غالبية شكاوى المعلمين هذا العام من عدم قدرة التلاميذ على استيعاب المنهج، خصوصاً أن مادة الدراسات الاجتماعية تُدّرس بشكل منفصل للمرة الأولى هذا العام، والتلاميذ كانوا بحاجة أولاً إلى مفاهيم ومحتوى بسيط ثم الانتقال للأصعب، إلى جانب المعلمين أنفسهم لم يتلقوا التدريب الكافى الذى يجعلهم قادرين على توصيل المناهج وأهدافها بصورة سليمة للتلاميذ.
وأشارت إلى أن المناهج الجديدة بحاجة لاستراتيجيات تدريس جديدة لتوصيل المعلومات للتلاميذ والاستفادة من القيم الوطنية التى يحتويها فهو يغرس حب الوطن ويمتاز بشكل وأسلوب جذاب للتلاميذ، ويعد أفضل ميزاته أنه يتكامل مع باقى المواد، بمعنى أن هناك مصطلحات تخدم التلاميذ فى دراسة اللغة العربية ويحتوى على بعض الدروس المرتبطة بمادة العلوم.
لم يحتوِ منهج دراسات الصف الرابع على التاريخ الفرعونى والأماكن السياحية كما الحال بالنسبة إلى التقسيم المعروف للحقب التاريخية فى مناهج التاريخ منذ المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية العامة، لكنه ركز بالأساس على جملة من الأحداث الواقعية التى يعرفها التلاميذ ويتركز المنهج بشكل أكبر على الجغرافيا التى تغطى غالبية المنهج.
وبحسب عويس، فإن دمج الأنشطة فى المناهج يستفيد منه على نحو أكبر تلاميذ المدارس ذات الكثافات المنخفضة وسيكون هناك فرصة للمعلمين لتطبيق ما جاء فى ادليل المعلمب، إلى جانب أن المنهج ذاته بحاجة لتخفيف المعلومات التى يتضمنها بما يتيح وقتاً أكبر لتطبيق الأنشطة، مع ضرورة أن تُسرع الوزارة فى إتاحة النماذج الاسترشادية لطرق التقويم لتدريب التلاميذ عليها قبل انطلاق امتحانات الشهر.
وأوضح حامد البيومي، كبير معلمى الرياضيات والعلوم أن المشكلة الأكبر للمناهج الجديدة تتمثل فى الكم الهائل من الموضوعات بما لا يتناسب تماماً مع الوقت الزمنى المتاح لكل تيرم أو العمر العقلى للتلاميذ، وهو مؤشر خطير على أنه سيكون من المستحيل الانتهاء من تدريس كافة الموضوعات بأى حال من الأحوال، الأمر الذى شكل فجوة وثغرة كبيرة لابد من تداركها.
وطالب بتقسيم محتوى الفصل الدراسى الأول على الفصلين الدراسيين، وإلا فإننا سنكون أمام أجيال كتبت لها مناهج دراسية حديثة ومتطورة لكنها لم تدرسها فعلياً، مشيراً إلى أن شكاوى أولياء الأمور تحديداً من مناهج العلوم والرياضيات فى محلها، بعد أن فوجئوا بالقدر الكبير من الموضوعات التى تحتويها الكتب الخارجية فى ظل عدم تسليم الكتب الجديدة حتى الأسبوع الثاني، إلى الدرجة التى دفعت بعض المعلمين للاعتذار عن تدريس مناهج الصف الرابع هذا العام لصعوبة المنهج.
وتابع: االأمــــر بالنســـبة للتلامـــيذ بالــــغ الصـعوبة ففـــى مجـــال العلـــوم مــثلاً يتعرض التلميذ لمسميات جديدة فى مجال النباتات مـــثل (المـانجــــروف، الســــــنـــط، الكايــــــوك، الصنوبر)، وفــــى الحــــيوانات مــــــثـلاً (قرش الثور، جرباء النمـر، اليربوع، سحلية العجمة وغيرها)، مع مقارنات بينها ويصعب عملية حفظها وإدراكها لأنها خارج بيئتناب.
وفى المقابل، أوضح الدكتور محمد أنور الخـبير التربـــوى، أن منهج العلوم يستهدف بالأساس خلــق باحـــث صغــير يكتشف ويتعلم ويشارك سواء مع نفسه أو مع زملائه فى البحث العلمـــى، وأن صعوبة بالمنهج ترجع بالأســاس لمـا مـــر به التلاميذ خلال العامين الماضـيين وعدم حصولهم على المحتويات العلمية فى الصفين الثانى والثالث الابتدائى بصورة سليمة، وأضحى هناك حالة من الخمول لدى التلاميذ والمعلمين أيضًا.
وأضاف أن التلاميذ ليس لديهم تعود على وجود الأنشطة بشكل كبير فى المناهج الجديدة وكذلك المعلمين أنفسهم، إلى جانب أنهم درسوا عدداً بسيطاً من المواد خلال الأعوام الماضية بعكس مواد هذا العام والتى تتضمن المهارات التكنولوجية أيضاً، مشيراً إلى أن المناهج الجديدة جرى وضعها بمعايير جديدة وخضعت للمراجعة مرات عديدة وهو ما تسبب فى تأخر تسليمها فى حين أن أولياء الأمور لجأوا إلى الكتب الخارجية التى تخاطب بالأساس أولياء الأمور والمعلمين إلى جانب التلاميذ، بالتالى فإن الكم بدا كبيراً.